بين أمسي .. وغدي

لمنزلنا شرفتان .. إحداهما تطل على شارع واسع، أقرب بناية تقابلها
هي على بعد مائة متر تقريبا

نسيمها البارد يجعلها ملاذنا في ليالي الصيف الحارة

أما الأخرى، مطلة على شارع جانبي، لذا قليلا ما أزورها،
ونادرا ما أدقق النظر في ما ومن حولها

من تلك الشرفة .. يمر العمـر

منذ ثمان سنوات تقريبا كنت أرى فتاة في شرفة مقابلة، وأرى شابا في أخرى تعلوها

في المرة التالية، جمعتهما نفس الشرفة .. العلوية بالطبع

والتالية، ظهر وجه جديد .. صغير

ثم صار الصغير هو الأكبر .. ثم صار الاصغر هو الأوسط

في كل مرة يصيبني الذهول والتعجب وكأنها الأولى .. أسأل
أمي، تضحك " دة من زمان يابنتي "

لمَ تمر الأيام بسرعة ؟! .. متى مرت !!

* * *
كان بالأمس غدا ... وسيصير أمسا، غدا

عجيب أمره !

أنتظره أحيانا وكلي لهفة، أتمنى لو أجتذبته قبل الأوان بأوان. أحيانا أخرى أرقبه في وجل يقترب، لو يبطئ خطاه نحوي قليلا !! . ومع هذ أو ذاك، لا يلبث يأتي حتى يسقط من الحسابات.

مظلوم ؟

البعض يعيشون على ما كان، تشدهم الدنيا للأمام عنوة فيمضوا مضطرين ورؤوسهم مشدودة إلى الوراء .. إلى ما مضى من ذكرى، أو مكتفية بما مضى من حزن

والبعض تمضي أيامهم غير آبهين، على أطراف أصابعهم يقفزون لأعلى آملين أن تلتقط أعينهم مشهدا من حلم يتحقق، دون أن يقدموا له شيئا

قليلون هم من يدركون أن الذكرى لا تكون إلا إذا انفصلت عن الحاضر .. والحلم لا يتحقق إلا إذا مر اليوم يحمل إنجازا

* * *
أمسي لن يعد .. وغدي لن يأت، حتى يأت

كطبق يحوى أكلتي المفضلة، أتمنى، أتمنى أن يكون يومي

هذا وقته ولن يطول، لا أتركه إلا وقد أنهيته عن آخره .

على مهل استمتع بكل جزء فيه
لحظة .. لحظة، قضمة .. قضمة

وعندما أزور شرفتنا المرة التالية، لا يهيبني مرور العمر، لا يصيبني الذهول.
أملا ذاك الفراغ بمئات الأيام .. التي أعرفها.

_________________________
شكرا لمن ألهماني تلك الكلمات فجعلاها
تطغى على تفكيري